وضع داكن
31-12-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 042 ب - اسم الله الأول 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  من معاني الأوّل:

 

1 ـ الله مطلق القبْلية ليس قبله شيء ولا بعده شيء:

أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم الأوّل، الله جلّ جلاله أول، أي هذا الاسم يعني مطلق القبْلية، الله عز وجل علمه مطلق، رحمته مطلقة، كيف؟ أحياناً قاضٍ يحكم ألف حكم، عشرة أحكام غير عادلة، لا عن قصد ولكن عن خطأ، ونقص معلومات، عند البشر هذا القاضي الذي حكم ألف حكم من هذه الأحكام عشرة أحكام غير عادلة يسمى عند الناس عادلاً، لأن الإنسان ليس مطلقاً، أما الإله لو ظُلِم عصفور في ملكه ليس عادلاً، عدل مطلق، رحمة مطلقة، حكمة مطلقة، غنى مطلق، قدرة مطلقة.
لذلك الله عز وجل هو الأول بمعنى مُطلق القبْلية، ليس قبله شيء، ولا بعده شيء، تعني أيضاً أنه مطلق القبْلية، وعالي الشأن والفوقية، المعنى الأول. 

2 ـ الله الأوّل على كل ما سواه والمتقدم على كل ما عداه:

معنى آخر؛ الله الأول على كل ما سواه، المتقدم على كل ما عداه، وكل ما سوى الله بعد الله، فإذا كنت مع الأول فأنت الأول، إذا كنت مع الأول أنت المتفوق، أنت الحر، أنت عزيز النفس، أنت الذي تشعر أنك محسوب على الله.
مرة سمعت كلمة، عالم جليل توفي رحمه الله، ذهب إلى لندن لإجراء عملية، فجاءت اتصالات غير معقولة، هذه الاتصالات لفتت نظر الإذاعة البريطانية، أجرت معه حواراً، سألته: ما هذه المكانة التي حباك الله بها؟ طبعاً اعتذر وتواضع كثيراً، فلما ألحت عليه قال: لأنني محسوب على الله.
 

المؤمن محسوب على الله فمن حُسِب على جهة أرضية انتهت مكانته عند الله عز وجل:


المؤمن محسوب على الله، ليس محسوباً على جهة أرضية، والإنسان حينما يُحسَب على جهة أرضية انتهى، المؤمن شخصية فذة، تعني مرتبة علمية، وتعني مرتبة أخلاقية، وتعني مرتبة جمالية.
 

الله عز وجل وجوده أزلي أبدي:


أيها الإخوة؛ الله الأول على كل ما سواه، المتقدم على كل ما عداه، وكل ما سوى الله بعد الله، الله الأول بمعنى آخر، لأن بديهيات العقل تقول: إن المُوجد قبل الموجود، وإن المُحدِث قبل الحادث، وإن الخالق قبل الخلق، وإن المُدبِّر قبل المُدَبَّر، وإن الرازق قبل الرزق، أول الله عز وجل، بل في بعض الأحاديث:

(( عن عمران بن الحصين: إنِّي عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، فَقالَ: اقْبَلُوا البُشْرَى يا بَنِي تَمِيمٍ، قالوا: بَشَّرْتَنَا فأعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ، فَقالَ: اقْبَلُوا البُشْرَى يا أهْلَ اليَمَنِ، إذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ، قالوا: قَبِلْنَا، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ في الدِّينِ، ولِنَسْأَلَكَ عن أوَّلِ هذا الأمْرِ ما كَانَ، قالَ: كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ قَبْلَهُ، وكانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ، ثُمَّ أتَانِي رَجُلٌ، فَقالَ: يا عِمْرَانُ أدْرِكْ نَاقَتَكَ فقَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أنَّهَا قدْ ذَهَبَتْ ولَمْ أقُمْ. ))

[ صحيح البخاري ]

ولكن ما معنى كان الله؟ هذه كان تامة، شيء لا يغيب عن أذهانكم، الأفعال الناقصة كان وأخواتها، لا تعني الحدث، تعني الزمن فقط، تقول: الجو ممطر، مبتدأ وخبر، إذا قلت: كان الجو ممطراً، ربطت هذا الإسناد إلى الماضي، فكان أضافت زمناً، ولم تضف حدثاً، لكن كان نفسها تأتي تامة،

(( عن أبي ذر الغفاري: اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ ، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ. ))

[ صحيح الترمذي: حسن ]

حيثما وجدت، تُعرب تامة، فعل ماض تام مبني على الفتح، فقد تأتي كان تامة، والشاهد: ((اتق الله حيثما كنت)) أي حيثما وجدت، ((كانَ اللَّهُ ولم يكن شيءٌ قَبْلَهُ)) هو الأول، هو الأول بلا بداية، وجوده أزلي أبدي، والآخر بلا نهاية.
 

من توغل في أي شيء وصل في النهاية إلى الله تعالى:


أيها الإخوة؛ الله عز وجل هو الأول، هو أبطن من كل باطن، فإذا توغلت في الشيء، أي شيء إذا توغلت فيه تصل في النهاية إلى الله، أي هذه البيضة من الدجاجة، الدجاجة من البيضة، تسلسل لا نهائي، لكن لابدّ من أول دجاجة من خلقها؟ هو الله، هذه مصيبة جاءتني عن طريق فلان، فلان من خلقه؟ الله عز وجل، من أعطاه قوة فنال مني؟ الله عز وجل، من سمح له أن ينال مني؟ الله عز وجل، أي لا يوجد إنسان بالأرض إذا ضُرب بعصا يحقد على العصا، يكون أحمق، لذلك الأقوياء عصي بيد الله ينتقم بهم، ثم ينتقم منهم، هذا المعنى التوحيدي يلغي الحقد، الله عز وجل ما سلمك لأحد، ولن يُسلِّمك لأحد.

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود ]

علاقتك معه، رزقك عنده، سعادتك عنده، سلامتك عنده، نجاحك في بيتك عنده، نجاحك بعملك عنده، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الأمة الإسلامية الآن بحاجة ماسة إلى التوحيد، إلى أن ترى أن الله بيده كل شيء، هؤلاء الأقوياء على الشبكية يبدو أنهم مالكون كل شيء، لكن في الحقيقة ليسوا بشيء، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾  

[ سورة الأنفال ]

إذاً الأول أبطن من كل باطن، فإذا توغلت في الشيء، ثم توغلت، ثم توغلت تصل إلى الله، ولأن الله كماله مطلق إذاً بدل أن تحقد على العصا، يجب أن تعلم أن هذا الذي أصابك بأمر الله، والله كامل، معنى المشكلة عندي.
 

الأولوية في الأشياء مرجعيتها إلى الله خلقاً وإيجاداً وعطاءً:


أيها الإخوة؛ هل هناك أولوية في الأشياء؟ الجواب: نعم، الأولوية في الأشياء مرجِعيتها إلى الله خلقاً، وإيجاداً، وعطاءً، وإمداداً، الدليل:

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)﴾

[ سورة آل عمران ]

مكة المكرمة فيها أول بيت وُضِع للناس.

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)﴾

[ سورة الأنبياء ]

﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)﴾

[ سورة يس ]

يوجد بالأشياء أولوية طبعاً.
 

اعتماد العلماء في فهم الآيات التي تتحدث عن ذات الله تعالى:

 

1 ـ على التفويض:

لكن هذه المعاني التي تشير إلى عظمة الله، وإلى أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، وأنه الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، هو الظاهر والباطن، واحد أحد، فرد صمد:

﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾

[ سورة الإخلاص ]

هناك آيات لا تزيد على أصابع اليد تتحدث عن ذات الله:

﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)﴾

[ سورة الفجر ]

كيف؟ ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ كيف؟ في الحديث الصحيح:

(( عن أبي هريرة: يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا، حين يبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ. ))

[  صحيح البخاري ]

آيات لا تزيد عن أصابع اليد تتحدث عن ذات الله.

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)﴾

[ سورة النساء ]

الله سميع، بصير، ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ ، ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ كيف نفسر هذه الآيات؟ السلف الصالح اعتمدوا التفويض، لا يُعقل لإنسان أن يحيط بالذات الإلهية، لذلك أكمل موقف هن كلهن خمس آيات، عشر آيات، فوضوا معناها إلى الله وارتاحوا، ما تكلموا كلمة فيها تجاوز حدود، فالتفويض مسلك رائع في فهم آيات الذات. 

2 ـ على التأويل:

هناك موقف آخر هو التأويل، أقل درجة لكن مقنع، ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ أي جاء أمر ربك، إنسان دخله حرام، مُستعلٍ على الناس، يهزأ بالدين، يهزأ بآيات القرآن الكريم، تُساق له مصيبة ماحقة، في بعض الأدعية:

(( عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: اللهمَّ إنَّي أعوذُ بك من زوالِ نعمَتِك، وتَحَوُّلِ عافيَتِك، وفجْأةِ نقمتِك، وجميعِ سَخَطِك. ))

[ صحيح الجامع    ]

فحينما يأتي العقاب الإلهي الرادع الماحق نقول: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ أي جاء عقابه، وجاء وعيده، هذا تأويل مقبول، أما أن تنفي صفة أثبتها الله في قرآنه بذاته هذا تعطيل، كلمة سميع بصير، الله ليس له سمع، أنت بهذا تٌعطّل، لك أن تفوض، ولك أن تؤول، والأولى أن تفوض، أما أن تُعطل، أن تُلغي صفة أثبتها الله لذاته لا يجوز، وبعضهم قال: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا، حين يبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ)) ونزل درجة على المنبر، لا، هذا تمثيل، الآيات المتعلقة بالذات الإلهية لا تُجَسّد، ولا تُعطل ولكن تؤول، والأولى أن تُفوض معناها إلى الله، أربع خمس آيات، لا تزيد على أصابع اليد، وعين العلم به عين الجهل به، وعين الجهل به عين العلم به.
لو شخص سألك وأنت على شاطئ البحر المتوسط: هذا البحر كم لتر؟ أي رقم تقوله فأنت كاذب، لأن هذا السؤال فوق طاقة البشر، إذا قلت: لا أعلم فأنت العالم، بهذا السؤال بالذات إن قلت: لا أعلم فأنت العالم، لذلك قالوا في الذات الإلهية: عين الجهل به عين العلم به، وعين العلم به عين الجهل به، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك .
 

العقل البشري يوصلك إلى الله لكن الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله:


الشيء الدقيق أن العجز عن إداراك الإدراك إدراك-هذه كلمة لسيدنا الصديق-العجز عن إدراك الإدراك إدراك، هذا العقل البشري يمكن أن يصل إلى الله، لكن لا يمكن أن يحيط به، ممكن بمركبتك أن تصل بها إلى الساحل، هذا البحر، وصلت بها إلى الساحل لكن هذه المركبة لا يمكن أن تخوض عباب الماء، فالعقل البشري يوصلك إلى الله، ولكن:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾

[ سورة البقرة ]

هذه حقيقة، فلما أنت تعتقد أن عقلك محدود المهمة تكون عالماً، وكل من يعتقد أن عقله أداة للمعرفة المطلقة يكون جاهلاً، تماماً ميزان إلكتروني فيه خمسون ذاكرة، غالٍ جداً، مصمم لبقالية، حدود استعماله من خمسة غرامات لخمسة كيلو غرام، ما دمت تستخدمه بين هذين الحدين يعطيك نتائج رائعة جداً، أما إذا خطر في بالك أن تزين به سيارتك، وضعته على الأرض وسرت فوقه حطمته، أخي ليس جيداً! هذا الميزان لم يُصمم لوزن مركبتك، مركبتك صنعتها شركة محترمة جداً وضعت لك بلوحة صغيرة في مكان ما وزن السيارة.
أي كل شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، هذا الذي يعتمد العقل وحده لمعرفة كل شيء وقع في متاهة كبيرة، العقل مهمته محدودة، العقل يرى شيئاً مادياً يحكم على صانعه، أما أن تسأله على غيب بغيب، الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله.
 

عدم التعارض بين العقل والنقل:


لذلك العقل والنقل، في الأصل لا تعارُض بين العقل والنقل، النقل كلام الله وبيان المعصوم، والعقل مقياس أودعه الله فينا، لكن لو كان هناك تعارض ظاهري فلعدم قطعية أحدهما، إما النظرية لم تكن حقيقة فعارضت نصاً قرآنياً، أو الآية فهمتها فهماً خاطئاً، أو الحديث موضوع، أما النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل الصريح، ولا مع الفطرة السليمة، ولا مع الواقع الموضوعي، إلا أن مهمة العقل قبل النقل التأكد من صحة النقل، والعقل بعد النقل مهمته فهم النقل، أما أن يكون العقل حكماً على النقل فهذا شيء لا يجوز.
 

من تطبيقات اسم الله الأوّل:

 

1 ـ أن يسعى كل إنسان إلى أن يكون أولاً في كل حقل:

أيها الإخوة؛ من تطبيقات هذا الاسم، الله الأوّل، أنت كإنسان ما علاقتك بهذا الاسم؟ يجب أن تسعى أيها الإنسان إلى أن تكون أولاً في كل حقل، أول في بيتك، أب ناجح، أول في عملك، طبيب ناجح، مهندس ناجح، صناعي ناجح، تاجر ناجح، في عمل الخير ناجح، في أداء العبادات ناجح، ما دام الله أولاً، وأنت عبده، وقد أمرك أن تتخلّق بكمالات مشتقة من كمالات الله، فلابدّ من أن تكون أولاً في اختصاصك، تَعلّم كل شيء عن كل شيء وشيئاً عن كل شيء، لابدّ لك من اختصاص تتعمق فيه كثيراً، الدليل:

﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)﴾

[ سورة المؤمنون ]

المؤمنون مع الأوائل، آية ثانية:

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)﴾

[ سورة الأنبياء ]  

2 ـ حرص كل إنسان مؤمن في الصلاة على الصف الأول:

من توجيهات النبي أن تحرص في الصلاة على الصف الأول، من أجل أن تكون أولاً احرص على الصف الأول، ومن توجيهات النبي احرص على أن تصلي الصلاة في أول وقتها، أول. 

3 ـ ما لم تكن أولاً لا يُحترم دينك:

مرة تكلمت بكلمة، ما عندي لها دليل لكن قناعتي بها بلا حدود، الآن إن لم نكن متفوقين في دنيانا لا يُحترم دينك، هذه قناعتي، أي بلاد متخلفة، نسب الأمية عالية جداً، نسب الفقر عالية جداً، نسب البطالة عالية جداً، نسب العنوسة عالية جداً، في قائمة الاستيراد اسم هذه البلاد في الأوج، في المقدمة، تستورد كل شيء حتى علبة المحارم، في قائمة المُصدّرين في أسفل القائمة، بأس هذه الأمم بينها، تتقاتل، وتسيل الدماء، وبين أطيافها خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، بينما أعداؤها يتعاونون، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، فبأسها بينها، وسلمها لأعدائها، هذه الأمة بهذا الوضع لا يمكن أن يُصغِي إليها أحد، لا تتصور يوجد إنسان في الأرض يخطر بباله أن يقرأ القرآن الكريم، لأن تخلفنا حجبه عن القرآن الكريم، لا يخطر في باله أن يقرأ صحيح البخاري، تماماً كما لو رأيت إنساناً يعتنق ديناً أرضياً لكنه قذر، متخلف، يتسوّل، كسول، هل يخطر في بالك للحظة واحدة أن تشتري كتاباً عن دينه فتقرأه؟ لذلك قالوا: الإسلام الآن محجوب بالمسلمين، المسلمون معهم أعظم دين، لكنهم أسوأ مُسَوّق لهذا الدين، وغير المسلمين معهم الباطل، لكنهم مُسوقون ناجحون لباطلهم، فلذلك ما لم تكن أولاً لا يُحتَرم دينك.
طالب هندي مسلم أقام بأمريكا واكتشف الإيميل السريع  Hotmail هوتميل، وجاءه مشتركون قُرَابة عشرة ملايين في أول سنة، بيل غيتس صاحب مايكروسوفت عرض أن يشتريه بخمسين مليون دولار، طلب فيه خمسمئة مليون، بعد عام من المفاوضات باعه بأربعمئة مليون دولار، بثلاثمئة مليون حلّ مشكلات أمته، أنفق ثلاثمئة مليون دولار على الأعمال الخيرية في بلده في الهند، يجب أن تكون الأول.
 

على كل إنسان أن يعمل عملاً يكون من خلاله شيئاً مذكوراً:


بالمناسبة المسلمون كأفراد متفوقون جداً، تذهب إلى بلاد بعيدة هذا البناء الشامخ المهندس مسلم، بالطاقة الذرية كبار العلماء مسلمون، المسلمون كأفراد متفوقون جداً لأن الله سبحانه وتعالى وزع الذكاء بالتساوي على كل الشعوب، في كل أمة أذكياء بقدر ما عند أمة أخرى متفوقة أذكياء، لكن الأمة المتخلفة لا تهتم بأذكيائها تدفعهم إلى الهجرة، والأمم الأخرى بدل-دققوا-أن تؤسس جامعة تكلفها مليارات، والجامعة في النهاية محصلتها بالمئة خمسة طلاب متفوقون، هؤلاء الخمسة بالمئة يأخذونهم من الدول النامية، يغرونهم بجنسية، وبدخل فلكي، فأخذوا كل الأذكياء، مايكروسوفت وحده عنده خمسة وثلاثون ألف مهندس، قمم في العالم، يوجد ولاية بأمريكا خمسة آلاف طبيب سوري معهم بورد، أي هذا شيء دقيق جداً، يجب أن تكون أولاً حتى يُصغي الناس إليك، الآن سيدنا إبراهيم ماذا قال؟ قال:

﴿ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ سيدنا محمد:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)﴾

[ سورة الزخرف ]

سيدنا موسى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾

[  سورة الأعراف ]

سيدنا إبراهيم، سيدنا محمد، سيدنا موسى.
 

ما لم نكن متفوقين في دنيانا لا يُحترم ديننا:


الآن يوجد أمر إلهي:

﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)﴾

[ سورة الأنعام ]

الدنيا ماضية، فانية، زائلة، اعمل عملاً تكن في الدنيا شيئاً مذكوراً، اعمل عملاً تكن حديث الناس، قدم شيئاً لهذه الأمة، اخرُج من ذاتك، إن أردت أن تكون شيئاً مذكوراً في الدنيا كن أولاً، المسلمون الآن بحاجة إلى صناعي كبير، إلى تاجر كبير، إلى أستاذ جامعي كبير، إلى عالم كبير، إلى داعية كبير، هؤلاء النخبة بهم تنهض الأمة، فلذلك يجب أن نسعى لا أن نكون رقماً عادياً، أي يوجد ستة آلاف مليون، الخمسة آلاف والخمسمئة ألف مليون جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يتركوا أثراً، إنسان هدفه أن يشتري بيتاً فقط، يتزوج، يشتري سيارة، انتهت كل أهدافه هنا، بينما عظماء أهل الأرض يحملون همّ أمتهم، يُبدلون بيئتهم، يصلحون شأن أمتهم، يسعون إلى عمل معين فلابدّ من التفوق لأن الله أوّل، ويحب منك أن تشتق منه كمالاً تتقرب به إليه، فالنبي كان أولاً، بربع قرن قلب وجه الأرض، واحد، الآن يُكَاد لهذه الأمة بقتل أوائلها في العراق، بقتل أوائلها، من أي طيف مادام أولاً يُقتل، الأمة بأوائلها، الأمة بمتفوقيها، الأمة بعلمائها، الأمة بخبرائها.
فيا أيها الإخوة؛ ما دمنا نُقدس اسم الله الأول يقتضي هذا التقديس أن تكون أولاً في عملك، وفي بيتك، وفي اختصاصك، وفي كل شيء.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور